الحمد لله نحمده ونشكره ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ..
.. ومن سيئات أعمالنا .من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
...و أشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
.. صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين .ومن تبعهم بالإحسان الى يوم الدين
.. أما بعد ..
.. فإن أصدق الحديت كلام الله وخير الهدى, هدى محمد صلى الله عليه وسلم ..
.. وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ..
.. فاللهم أجرنا وقنا عذابها برحمتك يا ارحم الراحميـــــــــــــــن
مكانة إبراهيم عليه السلام:
{إنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120]، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:75]، {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}[النحل:123]، نصوصٌ واضحةٌ بيّنةٌ عن فضل ذلك الرسول الكريم، لا تكاد تجدها وصفاً أو مدحاً لغيره من المرسلين سوى نبينا صلى الله عليه وسلم.
إنّ شخصاً هذه نعوته، وهذه صفاته، وتلك أخلاقه، وذلك سَمْته؛ جديرٌ أن يقفَ العاقل معه متأمّلاً نهجه في الحياة، وطريقته في العيش.
لماذا نتأمّل في حياته؟:
إنّ التزكيةَ والمدحَ لهذا الإمامِ العظيم والنبي الكريم لم يأتِ من أحدِ المصلحين أو أحدِ العقلاء أو جمعٍ منهم، مع أنّ مَن مَدحه العقلاءُ والمجرّبون كان جديراً بالاهتمام، والوقوف مع تجربته في الحياة، فما بالنا بمَن مدَحه ونعَته بتلك الأوصاف ربُّ العزّ والجلال، واختاره من قال عز وجل: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68]، عندئذٍ يكونُ الاقتداءُ والتأسّي به من الواجبِ عقلاً، كما أنّه من الواجب شرعاً؛ قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل:123].
ولِعِظم تجربة إبراهيم -عليه السلام- وعدمِ إمكان سبْرها في عجالةٍ كهذه؛ فلنقف على جزءٍ من جوانبها، وهي تعلّق إبراهيم -عليه السلام- الدائمُ برب العزة والجلال.
إبراهيم والتعلّق الدائم بالله:
إنّ حياةَ إبراهيم يمكنُ إجمالها في قولنا: هي تعاملٌ مع الله تعالى، فقد كانَ دائمَ التعلّق بخالقه، واللجوءِ إليه في كلِّ صغيرة وكبيرة.
فيوم مرّ بمصر، وتعرّض أهله لمكرِ حاكمها الفاجر؛ أقبل إبراهيم -عليه السلام- على الله يدعوه، فنجّى الله أهلَه ممن أراد بهم السوء والفحشاء.
ولمّا أمره الله تعالى بترْك هاجر وولدها -عليهما السلام- في وادٍ غيرِ ذي زرع عند بيته المحرم؛ قابلَ الأمرَ بالخضوع والإذعان، ثم انصرف عنهم يدعو الله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]، نعم هذه الدعواتُ رفعها إبراهيم -عليه السلام- للذي يصعدُ إليه الكلمُ الطيب، ويرفعُ العملَ الصالح، لم يرفعْها إبراهيم -عليه السلام- إلا بعد أن توارى من أهله، وخلا بربه، فعلَ ذلك حتى لا يتعلّق أهلُه بدعائه، ولا يتّكلون على صلاحه، بل يتعلّقون بربهم تعالى، وهكذا كان إبراهيم -عليه السلام- دائمَ الفرار إلى الله {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:75].
ولما أراه الله تعالى في المنام أن يذبحَ ابنَه؛ نادى ولدَه فقال كما أخبر الله عنه: {يا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:102-103]، لقد تعلّق قلبُ الوالد والولد بالله تعالى إذعاناً واستسلاماً له، ولم يتردّدا في الإذعان والانقيادِ لله تعالى، فأيّ تعلّق بالله تعالى يعدل تعلّقَهما؟ سوى تعلّق نبيّنا صلى الله عليه وسلم.
وأخيراً:
إنّ الله تعالى أمرَنا بالتعلّق به، واللجوءِ إليه، والاعتمادِ عليه، قال الله تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً} [الأعراف:56]، وقال الله تعالى: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} [الشعراء:213]، وكافأ الله المنيبين إليه في الدنيا قبل الآخرة، ويكفي هذا العلو والفضل والتمجيد لإبراهيم -عليه السلام- من رب العالمين.
الأستاذ الدكتور/ ناصر العمر