الواقع و الوهم

يحيرني
أنا، وجودي وفِكري وتفكيري وأفعالي وابتساماتي وحزني الغامض واكتئابي الذي
أستلذّ به أحياناً، وتناقضي: حبي لهذا العالم وللعالم الآخر في نفس الآن،
قدرتي على الابتسام رغم الحزن، اغترابي الدائم رغم عدم مغادرة الديار..
تحيرني يا أنا، حقاً..

يحيرني
"هو"، جلّ في علاه وتقدست أسماؤه.. يحيرني ذلك الوجود الذي لا أراه، لكني
أحسه.. في كل جميل أحسه وفي كل حكمة بالغة أشعر بذلك الحكيم الذي وضعها،
وفي كل نمو لزهرة الروح أجده هو مصدر ذلك الماء العذب الذي يرويها.. وفي
داخل كل بيت عبادة أجدني في جواره غير أنني لا أراه.. أي وجود عظيم هذا،
وأي قوة وعظمة..؟ وأيّ صبر وحِلم..؟ ذلك الوجود الذي ينكره نصف البشر وهو
القادر على محوهم لكفرهم إن أراد.. أي عظمة وصبر وحِلم ومحبة ورحمة..؟
يحار القلب والفِكر يا ذا الجلال والإكرام..!

يحيرني
الألم.. لماذا..؟ لماذا وُجِدَ الألم وهو.. ألم؟ هو شئ لن نهلك دونه وربما
سنصير أفضل، فلماذا وِجَد..؟ لماذا نتألم ولماذا نشعر بالألم أصلاً..
لماذا يؤلمنا الألم..؟؟

تحيرني الروح.. أهي بداخلنا حقاً..؟ لماذا
نشعر بذلك الدفء الجميل مع أحبائنا، ونطير نشوة حين نرى الجمال ونشمه
ونحسه، ولماذا نشعر بذلك الذبول والانكماش ساعة الحزن..؟ ما هي تلك الزهرة
الغامضة التي تزدهر وتذبل داخلنا مع كل ذلك..؟

هناك عبارات تشيع بين الناس ويأخذون في
تداولها بينهم كما لوأنها حقائق مثبتة، مع أن الواقع يتجسد
أمامهم كل يوم مؤكدا لهم بطلان ما يقولونه.
من هذه العبارات ما تعارف عليه الناس من قول: (الحق فوق القوة)
حيث يمضون يكررون تلك العبارة كل ما ألم بهم ما لا قبل لهم بمواجهته،
مرددين أن الحق سيظهر وينتصر لأنه فوق كل شيء.
لكن واقع الحياة يبرهن في كل يوم أن العكس هو الصحيح
وأن القوة غالبا ما تسحق الحق لتصعد على حطامه،
إلا أن الناس ما زالوا يتشبثون بترديدهم تلك العبارة.

ويقول الناس:(من جد وجد، ومن زرع حصد)، فيصورون الحياة
كما لو أنها معمل تجريبي تضع فيه معطياتك فيمدك بنتائج ما أعطيته،

لكن واقع الحياة ليس كذلك، فليس دائما يكون الفوز عاقبة الاجتهاد،
وليس دائما من يزرع يفوز بالحصاد، فحظوظ الناس يحكمها أمر آخر
غير الجد والعمل، وكم من مجتهد جللته الخيبة وكم من زارع لم يحصد
سوى التعب والشقاء.

ويقول الناس: (إن الجمال الحق، جمال الروح) يرمون بذلك إلى أن جمال
المظهر لا قيمة له ولا نفع منه ولا ثقة فيه، لكن الواقع
يؤكد أن جمال المظهر له فعل السحر في تعبيد الطرق الوعرة وفتح
الأبواب المغلقة، ووقع تأثيره على الناس أسرع بكثير من
وقع فعل الأرواح، مهما نزهت وسمت.

» نكتة من الواقع................