╗◄youness►╔ عضو اداري
................عدد المساهمات............. : 915 ................نقاط التمييز................ : 20873 ....................السٌّمعَة.................... : 6 ......................العمر...................... : 30 الموقع : www.like.ahladalil.com
| موضوع: الذكاة وشروطها لفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله # الذكاة هي الذبح أو النحر او الجرح .# الأحد 15 يناير 2012, 15:22 | |
| السلام عليكم ورحمة الله
قرب عيد الإضحى فهو غدا ان شاء الله لذا فبين أيديكم
الفصل التاسع من كتاب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
# أحكام الاضحية والذكاة #
الفصل عن الذكاة وشروطها
في الذكاة وشروطها
أخرنا الكلام عن الذكاة وشروطها وما يتعلق بها ؛ لأن أحكامها عامة في الأضحية وغيرها.
الذكاة : نحر الحيوان البري الحلال أو ذبحه أو جرحه في أي موضع من بدنه .
فالنحر للإبل ، والذبح لما سواها ، والجرح لكل ما لا يقدر عليه إلا به من إبل وغيرها .
ويشترط لحل الحيوان بالذكاة شروط تسعة :
الأول: أن يكون المذكي ممن يمكن منه قصد التذكية ، وهو المميز العاقل ، فلا يحل ما ذكاه صغير دون التمييز، ولا هرم ذهب تمييزه ، والتمييز فهم الخطاب والجواب بالصواب .
ولا يحل ما ذكاه مجنون وسكران ومبرسم ونحوهم ؛ لعدم إمكان القصد من هؤلاء .
وإنما اشترط إمكان القصد ؛ لأن الله أضاف التذكية إلى المخاطبين في قوله : ( إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ ) (المائدة: 3) وهو ظاهر في إرادة الفعل ، ومن لا يمكن منه القصد تمكن منه الإرادة .
الشرط الثاني : أن يكون المذكي مسلما أو كتابيا ، وهو من ينتسب لدين اليهود أو النصارى . فأما المسلم فيحل ما ذكاه وإن كان فاسقا أو مبتدعا ببدعة غير مكفرة ، أو صبيا مميزاً، أو امرأة؛ لعموم الأدلة وعدم المخصص، قال في (( المغني )) عن ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي، قال: وقد روي أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فأدركتها فذكتها بحجر ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( كلوها )(87) متفق عليه . قال: وفي هذا الحديث فوائد سبع :
إحداها : إباحة ذبيحة المرأة.
الثانية : إباحة ذبيحة الأمة .
الثالثة : إباحة ذبيحة الحائض ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل .
الرابعة : إباحة الذبح بحجر .
الخامسة : إباحة ذبح ما خيف عليه الموت .
السادسة : حل ما يذبحه غير مالكه بغير أذنه .
السابعة : إباحة ذبحه لغير مالكه عند الخوف عليه . اهـ .
قلت : وفائدة ثامنة : وهي إباحة ذبح الجنب . وتاسعة : وهي أن الأصل في تصرفات من يصح تصرفه الحل والصحة حيث لم يسأل : أذكرت اسم الله عليها أم لا ، وزاد في (( شرح المنتهى )) حل ذبيحة الفاسق والأقلف(88) فتكون الفوائد إحدى عشرة .
وقول الشيخ رحمه الله في (( المغني )) : السادسة : حل ما يذبحه غير مالكه بغير إذنه ، إن كان مراده بالغير من كان أمينا عليه أو ذبحه لمصلحة مالكه فمسلم وواضح ، وإن كان مراده ما يشمل الغاصب ونحوه ؛ ففيه خلاف يأتي إن شاء الله ، والحديث المذكور لا يدل على حل ما ذكاه ولا عدمه ؛ لأن الذكاة فيه واقعة من الجارية التي ترعى الغنم وهي أمينة عليها ، ثم إنها لمصلحة مالكها أيضا .
وقوله : السابعة : إباحة ذبحه لغير مالكه عند الخوف عليه : إن أراد به الإباحة المطلقة التي تقتضي أن يكون مستوي الطرفين ، ففيه نظر ، وإن أراد الإباحة في المنع فلا تنافي الوجوب فمسلم ، وذلك أن الأمين إذا رأى فيما اؤتمن عليه خوف ضياع أو تلف وجب عليه أن يتدارك ذلك ؛ لأنه مؤتمن عليه ، يجب عليه فعل الأصلح ، ففي مثل هذه الصورة يجب على الراعي تذكيتها ؛ لأنه أصلح الأمرين ، وهو أمين مقبول قوله في خوف التلف ، أما غير الأمين فلا يجب عليه ذلك إن خاف تبعة ، والله أعلم .
ومقتضى ما سبق حل ذكاة الأقلف بدون كراهة ، وهو ظاهر النصوص وإطلاق كثير من أصحابنا منهم صاحب المنتهى ، ونقل في المغني عن ابن عباس : لا تؤكل ذبيحة الأقلف ، وأن عن الإمام أحمد مثله ، قال في (( الرعاية )) : وعنه تكره ذبيحة الأقلف والجنب والحائض والنفساء ، وجزم بكراهة ذكاة الأقلف في (( الإقناع )) .
وأما الكتابي : فيحل ما ذكاه بالكتاب والسنة والإجماع .
أما الكتاب : فقوله ـ تعالى ـ : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ )(المائدة: 5) قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : طعامهم ذبائحهم ، وروي ذلك عن مجاهد وسعيد والحسن وغيرهم .
وأما السنة :ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها . الحديث(89) . وفي مسند الإمام عن أنس أيضا أن يهوديا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه(90) . والإهالة السنخة : الشحم المذاب إذا تغيرت رائحته ، وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مغفل قال : كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم ، وفي صحيح مسلم قال : فالتزمته فقلت : لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا ، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتسما (91).
وأما الإجماع : فقد حكى إجماع المسلمين على حل ذبائح أهل الكتاب غير واحد من العلماء ، منهم صاحب (( المغني )) وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير في تفسيره ، قال شيخ الإسلام : ومن المعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم ثبت بالكتاب والسنة والإجماع ، قال : وما زال المسلمون في كل عصر ومصر يأكلون ذبائحهم ، فمن خالف ذلك ؛ فقد أنكر إجماع المسلمين . اهـ .
واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ : هل يشترط لحل ما ذكاه الكتابي أن يكون أبواه كتابيين ، أو أن المعتبر هو بنفسه بقطع النظر عن أبويه ؟ فالمشهور من المذهب أن ذلك شرط ، وانه لا يحل ما ذكاه كتابي أبوه أو أمه من المجوس أو نحوهم ، والصحيح أن ذلك ليس بشرط ، وأن المعتبر هو بنفسه ، فإذا كان كتابيا ؛ حل ما ذكاه ، وإن كان أبواه أو أحدهما من غير أهل الكتاب ، قال شيخ الإسلام ابن تيميه : الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم يستفيده بنفسه لا بنسبه ، فكل من تدين بدين أهل الكتاب ؛ فهو منهم سواء كان أبوه أو جده داخلا في دينهم ، أو لم يدخل ، وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل أو بعد ذلك ، وهذا مذهب جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك والمنصوص الصريح عن أحمد وإن كان في ذلك بين أصحابه نزاع معروف وهذا القول هو الثابت عن الصحابة، ـ رضي الله عنهم ـ ولا أعلم في ذلك بينهم نزاعا ، وقد ذكر الطحاوى أن هذا إجماع قديم . اهـ .
وأما غير الكتابي فلا يحل ما ذكاه ؛ لمفهوم قوله تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ) (المائدة: 5) . قال الخازن في تفسيره : أجمعوا على تحريم ذبائح المجوس وسائر أهل الشرك من مشركي العرب وعبدة الأصنام ومن لا كتاب له ، وقال الإمام أحمد : لا أعلم أحدا قال بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة .
الشرط الثالث : أن يقصد التذكية ، فإن لم يقصد التذكية ؛ لم تحل الذبيحة ، مثل أن تصول عليه بهيمة فيذبحها للدفاع عن نفسه فقط ، أو يريد قطع شيء فتصيب السكين حلق بهيمة فلا تحل ؛ لقوله ـ تعالى ـ : ( إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ )(المائدة: 3) فأضاف الفعل إلى المخاطبين ، وهو فعل خاص ( تذكية ) فيحتاج إلى نيته ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )) (92).
وهل يشترط مع ذلك أن يقصد الأكل ؟ على قولين :
أحدهما : لا يشترط فلو ذكاها لإراحتها أو تنفيذا ليمين حلف به كقوله : والله لأذبحن هذه الشاة ، فذبحها لتنفيذ يمينه فقط حلت لعموم الأدلة .
القول الثاني : أنه يشترط ، اختاره الشيخ تقي الدين فقال : وإذا لم يقصد المذكي الأكل أو قصد حل يمينه لم تبح الذبيحة . اهـ .
وفي (( سنن النسائي )) عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( ما من إنسان قتل عصفوراً فما فوق بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها )) وفي رواية : (( عنها يوم القيامة )) قيل يا رسول الله ، فما حقها ؟ قال (( حقها أن تذبحها فتأكلها ، ولا تقطع رأسها فترمي بها ))(93) ، وله من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( من قتل عصفوراً عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول : إن فلانا قتلني عبثا ، ولم يقتلني لمنفعة ))(94) .
ونقل صاحب الفروع عن صاحب الفنون وهو ابن عقيل الحنبلي أن بعض المالكية قال له : الصيد فرجة ونزهة ميتة لعدم قصد الأكل ، قال : وما أحسن ما قال ؛ لأنه عبث محرم ، ولا أحد أحق بهذا من مذهب أحمد حيث جعل في إحدى الروايتين كل حظر في مقصود شرعي يمنع صحته . اهـ .
الشرط الرابع : أن لا يذبح لغير الله ، مثل أن يذبح تقربا لصنم أو وثن أو صاحب قبر ، أو يذبح تعظيما لملك أو رئيس أو وزير أو وجيه أو والد أو غيرهم من المخلوقين ، فإن ذبح لغير الله لم يحل وإن ذكر اسم الله عليه ؛ لقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) إلى قوله تعالى : ( وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)(المائدة: 3) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لعن الله من ذبح لغير الله ). رواه مسلم من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه (95).
الشرط الخامس : ألا يهل لغير الله به ، بأن يذكر عليه اسم غير الله مثل أن يقول : باسم النبي ، أو باسم جبريل ، أو باسم الحزب الفلاني ، أو الشعب الفلاني ، أو الملك ، أو الرئيس ، أو نحو ذلك ، فإن ذكر عليه اسم غير الله لم يحل وإن ذبح لله أو ذكر معه اسمه ؛ لقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ)(المائدة: 3) إلى قوله تعالى : (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) وقد ذكر ابن كثير في تفسير الإجماع على تحريم ما أهل لغير الله به .
الشرط السادس : أن يسمي الله عليها ؛ لقوله تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) (الأنعام:118) ، وقوله ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)(الأنعام: 121)وقول النبي صلى الله عليه وسلم (( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا )) . أخرجه الجماعة واللفظ للبخاري(96) . فشرط النبي صلى الله عليه وسلم للحل ذكر اسم الله عليه مع إنهار الدم .
ويشترط أن تكون التسمية عند إرادة الذبح ، فلو فصل بينهما وبين الذبح بفاصل كثير لم تنفع ؛ لقوله ـ تعالى ـ : ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) ( الأنعام 18 ) وقوله صلى الله عليه وسلم : (( وذكر اسم الله عليه )) وكلمة (عَلَيْهِ ) تدل على حضوره وأن التسمية تكون عند الفعل ، ولأن التسمية ذكر مشترط لفعل فاعتبر اقترانها به لتصح نسبتها إليه ، لكن لو كان الفصل من أجل تهيئة الذبيحة كاضجاعها واخذ السكين لم يضر ما دام يريد التسمية على الذبح لا على فعل التهيئة ، قياسا على ما لو فصل بين أعضاء الوضوء لأمر يتعلق بالطهارة .
ويشترط أن تكون بلفظ بسم الله ، فلو قال بسم الرحمن أو باسم رب العالمين لم تجز ، هذا هو المشهور من المذهب ، والصواب أنه إذا أضاف التسمية إلى ما يختص بالله كالرحمن ورب العالمين ومنزل الكتاب وخالق الناس أو إلى ما يشركه فيه غيره وينصرف إليه تعالى عند الإطلاق ونواه به ، كالمولى والعظيم ونحوهما مثل أن يقول : باسم الرحمن أو باسم العظيم وينوي به الله ؛ فإنه يجزئ لحصول المقصود بذلك ، والله أعلم .
ويعتبر أن تكون التسمية على ما أراد ذبحه ، فلو سمى على شاة ثم تركها إلى غيرها أعاد التسمية ، وأما تغيير الآلة فلا يضر ، فلو سمى وبيده سكين ثم ألقاه وذبح بغيرها فلا بأس .
واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ فيما إذا ترك التسمية على الذبيحة فهل تحل الذبيحة ؟ على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها تحل سواء ترك التسمية عالما ذاكرا أم جاهلا ناسيا ، وهو مذهب الشافعي بناء على أن التسمية سنة ولا شرط .
الثاني : أنها تحل إن تركها نسيانا ، ولا تحل إن تركها عمدا ولو جاهلا ، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه ، وهنا فرقوا بين النسيان والجهل ، فقالوا : إن ترك التسمية ناسياً حلت الذبيحة ، وإن تركها جاهلا لم تحل ، كما فرق أصحابنا بين الذبيحة والصيد ، فقالوا في الذبيحة كما ترى ، وقالوا في الصيد : إن ترك التسمية عليه لم يحل سواء تركها عالما ذاكرا أم جاهلاً ناسيا .
القول الثالث : أنها لا تحل سواء ترك التسمية عالما ذاكرا أم جاهلا ناسيا ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد قدمه في الفروع ، واختاره أبو الخطاب في خلافه وشيخ الإسلام ابن تيمية وقال : إنه قول غير واحد من السلف .
وهذا هو القول الصحيح ؛ لقوله تعالى ـ: ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ )(الأنعام: 121) ، وهذا عام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا )) (97)، فقرن بين إنهار الدم وذكر اسم الله على الذبيحة في شرط الحل ، فكما أنه لو لم ينهر الدم ناسيا أو جاهلا لم تحل الذبيحة ، فكذلك إذا لم يسم ؛ لأنهما شرطان قرن بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في جملة واحدة ، فلا يمكن التفريق بينهما إلا بدليل صحيح ، ولأن التسمية شرط وجودي ، والشرط الوجودي لا يسقط بالنسيان كما لو صلى بغير وضوء ناسيا ، فإن صلاته لا تصح ، وكما لو رمى صيدا بغير تسمية ناسيا ، فإن الصيد لا يحل عند المفرقين بين الذبيحة والصيد ، كما لو ذبح بغير تسمية جاهلا ، فإن الذبيحة لا تحل عند المفرقين بين الجهل والنسيان ، مع الجهل عذر مقرون بالنسيان في الكتاب والسنة ومساو له ، وربما يكون أحق بكونه عذرا ؛ كجهل حديث العهد بالإسلام الذي لم يمض عليه زمن يتمكن من العلم .
فإن قيل : ما الجواب عن قوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة: 286) ، وقد فعل سبحانه وتعالى ، وقوله تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُم)(الأحزاب: 5) والجاهل مخطئ ، والناسي لم يتعمد قلبه ، وقد رفع الله عنهما المؤاخذة والجناح .
قلنا: الجواب : أننا نقول بمقتضى هاتين الآيتين الكريمتين ولا نعدو قول ربنا ، فمن ترك التسمية على الذبيحة ناسيا أو جاهلا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح ، لكن لا يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته ، فإن حل ذبيحته أثر حكم وضعي حيث إنه مرتب على شرط يوجد بوجوده وينتفى بانتفائه ، وأما المؤاخذة والجناح فهما أثر حكم تكليفي من شرطه الذكر والعلم ، فلذلك انتفيا بانتفائهما .
يوضح ذلك : أنه لو صلى بغير وضوء ناسيا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح ، ولا يلزم من انتفائهما عنه صحة صلاته ، فصلاته باطلة وإن كان ناسيا لفقد شرطها الوجودي وهو الوضوء .
ويوضح ذلك أيضا : أنه لو ذبحها في غير محل الذبح ناسيا أو جاهلا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح ، ولا يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته ، فذبيحته حرام لفقد شرطها الوجودي ، وهو إنهار الدم في محل الذبح .
فإن قيل : ما الجواب عما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها : أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال : (( سموا عليه أنتم وكلوه )) قالت : وكانوا حديثي عهد بالكفر(98) .
قلنا : الجواب : أننا نقول بمقتضى هذا الحديث ، وأنه لو أتانا من تحل ذكاته من مسلم أو كتابي بلحم حل لنا أكله وإن كنا لا ندري هل ذكر اسم الله عليه أو لا ، لأن الأصل في التصرفات الواقعة من أهلها الصحة حتى يقوم دليل الفساد ، ولسنا مخاطبين بفعل غيرنا ، وإنما نخاطب بفعلنا نحن ، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حيث قال : (( سموا عليه أنتم وكلوه )) كأنه يقول : أنتم مخاطبون بالتسمية عند فعلكم وهو الأكل ، فسموا عليه ، وأما الذبح والتسمية عليه فمخاطب به غيركم ، فعليكم ما حملتم وعليهم ما حملوا ، وليس يعني أن تسميتكم هذه تغني عن التسمية على الذبح ، وذلك لأن الذبح قد فات .
وليس في الحديث دليل على سقوط التسمية بالجهل ، ولا على أنها ليست بشرط لحل الذبيحة ؛ لأنه ليس فيه أنهم تركوا التسمية فأحل لهم النبي صلى الله عليه وسلم اللحم ، وإنما فيه أنهم لا يدرون أذكروا اسم الله عليه أم لا ، والأصل أن الفعل وقع على الصحة ، بل قد يقال : إن في الحديث دليلا على أن التسمية شرط لحل الذبيحة ، وأنه لابد منها ، وإلا لما أشكل حكم هذا اللحم على الصحابة حتى سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، ثم لو كانت التسمية غير شرط أو كانت تسقط في مثل هذه الحال لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : وما يضركم إذا تركوها أو نحو هذا الكلام ؛ لأنه أبين وابلغ في إظهار الحكم وسقوط التسمية ، ولم يرشدهم إلى ما ينبغي أن يعتنوا به وهو التسمية على فعلهم .
فإن قيل : ما الجواب عن الآثار التي احتج بها من لا يرى أن التسمية شرط لحل الذبيحة أو أنها تسقط بالنسيان ؟
قلنا : الجواب : أن هذه الآثار لا تصح مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي موقوفة على بعض الصحابة على ما في أسانيدها من مقال ، فلا يعارض بها ظاهر الكتاب والسنة .
فإن قيل : ما الجواب عما قاله ابن جرير رحمه الله من أن القول بتحريم ما لم يذكر اسم الله عليه نسيانا خارج عما عليه الحجة مجمعة من تحليله ، يعني أن الإجماع على تحليل ما لم يذكر اسم الله عليه نسيانا ؛ فالقول بتحريمه خارج عن الإجماع ؟
قلنا : الجواب عليه : أنه مدفوع بما نقله غيره من الخلاف فيه ، فقد قال شيخ الإسلام : إن القول بالتحريم قول غير واحد من السلف ، وقد قال ابن كثير : إنه مروي عن ابن عمر ونافع مولاه وعامر الشعبي ومحمد بن سيرين ، وهو رواية عن الإمام مالك ورواية عن أحمد ابن حنبل ، نصرها طائفة من أصحابه المتقدمين والمتأخرين ، وهو اختيار أبي ثور وداود الظاهري ، واختار ذلك أبو الفتوح محمد بن محمد بن على الطائي من متأخري الشافعية في كتابه (( الأربعين )) ، قال ابن الجوزي : وإلى هذا المعنى ذهب عبد الله بن يزيد الخطمي . قلت : واختاره ابن حزم وذكر أدلته ، وأجاب عن الآثار المروية في الحل .
فإن قيل : إن تحريمها إضاعة للمال ، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال .
فالجواب : أن الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها ليست بمال ؛ لأنها ميتة حيث لم تذك ذكاة شرعية لفقد شرط من شروط الذكاة ، فليس تحريمها بإضاعة للمال ، وإنما هو امتثال وطاعة لله تعالى في قوله : ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)(الأنعام:121 ) على أن تحريم أكلها لا يمنع من الانتفاع بشحمها وودكها على وجه لا يتعدى كطلي السفن وإيقاد المصابيح ونحو ذلك ، فعن ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة يجرونها ، فقال : (( لو أخذتم إهابها )) فقالوا : إنها ميتة . قال : (( يطهرها الماء والقرظ )) أخرجه أبو داود النسائي(99) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا دبغ الإهاب فقد طهر )) . رواه مسلم(100) . وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال : (( هلا استمتعتم بإهابها )) قالوا : إنها ميتة . قال : (( إنما حرم أكلها )) . رواه البخاري (101).
فإن قيل : إن في تحريمها حرجا وتضييقا على الناس حيث يكثر نسيان التسمية فيكثر ما يضيع عليهم من أموالهم ، وقد نفى الله سبحانه الحرج في الدين فقال تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78) .
فالجواب : أننا نقول بمقتضى هذه الآية الكريمة ، وأن دين الإسلام ليس فيه ـ ولله الحمد ـ حرج ولا ضيق ، فكل شيء أمر الله به ؛ فلا حرج في فعله ، وكل شيء نهى الله عنه ؛ فلا حرج في تركه لمن قويت عزيمته ، وصحت رغبته في دين الله ، وها هو الجهاد أمر الله به وهو من أشق شيء على النفوس من حيث طبيعتها لما فيه من عرض الرقاب للسيوف وترك الأموال والأولاد والمألوف ، ومع هذا نفى بعد الأمر به أن يكون قد جعل علينا في الدين حرجاً فقال تعالى : ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(الحج: 78 ) ، وأي حرج في اجتناب ذبيحة لم يذكر اسم الله عليها يتركها طاعة لربه في قوله ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْه) وهو ليس مضطراً إليها ، ولو اضطر إليها في مخمصة غير متجانف لإثم لو سعته رحمة ربه وحلت له .
ثم إن في تحريم الذبيحة إذا لم يذكر اسم الله عليها نسيانا تقليلا للنسيان ، فإن الإنسان إذا حرمها بعد أن ذبحها وتشوفت نفسه لها من أجل أنه لم يسم الله عليها ؛ فسوف ينتبه في المستقبل ولا ينسى التسمية .
وبعد ، فإنما أطلنا الكلام في هذا لأهميته ؛ ولأن الإنسان ربما لا يظن أن القول بتحريم الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها نسيانا يبلغ إلى هذا المكان من القوة ، والله الموفق .
(تتمه ) يشترط التلفظ بالتسمية إلا مع العجز عن النطق ، فتكفي الإشارة .
الشرط السابع : أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم غير سن وظفر من حديد وحجر وخشب وزجاج وغيرها ، لحديث رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سناً أو ظفراً ، وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة )) رواه الجماعة(102) . وقوله ((وسأحدثكم عن ذلك )) إلى آخره زعم ابن القطان أنها مدرجة ، نقله ابن حجر في (( الدراية )) وهذا الزعم مردود بما جاء في بعض روايات البخاري بلفظ : (( غير السن والظفر ، فإن السن عظم ، والظفر مدى الحبشة )) ، وبأن الأصل عدم الإدراج ، فلا يصار إليه إلا بدليل لفظي أو معنوي .
فإن ذبحها بغير محدد مثل أن يقتلها بالخنق أو بالصعق الكهربائي أو غيره ، أو بالصدم أو بضرب الرأس ونحوه حتى تموت لم تحل ، وإن ذبحها بالسن أو بالظفر لم تحل وإن جرى دمها بذلك.
وظاهر الحديث لا فرق في السن والظفر بين أن يكونا متصلين أو منفصلين من آدمي أو غيره للعموم ، خلافا للحنفية حيث خصوه بالمتصل وقالوا : إنه الواقع من فعل الحبشة ، وظاهر تعليلهم أنه خاص بظفر الآدمي ، قال في (( المغني )) ردا عليهم : ولنا عموم حديث رافع ، ولأن ما لم تجز الذكاة به متصلا لم تجز به منفصلا كغير المحدد . اهـ . وفي تشبيهه بغير المحدد غموض .
وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم منع الذكاة بالسن بأنه عظم ، فاختلف العلماء رحمهم الله هل الحكم خاص في محله وهو السن أو عام في جميع العظام لعموم علته على قولين :
أحدهما : أنه خاص في محله وهو السن ، وأما ما عداه من العظام فتحل الذكاة به ، وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب أحمد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد العموم لقال غير العظم والظفر لكونه أخصر وأبين ، والنبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم ومفاتيح البيان ، ولأننا لا نعلم وجه الحكمة في تأثير العظم فكيف نعدي الحكم مع الجهل .
الثاني : أن الحكم عام في جميع العظام ، لعموم العلة ، وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأن النص على العلة يدل على أنها مناط الحكم ، متى وجدت وجد الحكم ، وتخصيص السن بالذكر قد يكون من أجل أنه عادة يرتكبها بعض الناس بالتذكية به ، ثم أشار إلى عموم الحكم بذكر العلة ، أو يقال : إن تعليله بكونه عظما يدل على أنه كان من المتقرر عندهم أن العظام لا يذكى بها ، وهذا القول أحوط .
وأما كوننا لا نعلم وجه الحكمة في تأثير العظم ، فهذا لا يمنع من تعدية الحكم إلى ما ينطبق عليه اسم العظم ؛ لأنه معلوم على أنه يمكن أن يقال : وجه الحكمة : أنه إن كان العظم طاهرا فهو طعام إخواننا من الجن ، ففي الذبح به تلويث له بالنجاسة ، وإن كان العظم نجسا فليس من الحكمة أن يكون وسيلة للذكاة التي بها تطهير الحيوان وطيبه للتضاد ، والله أعلم .
وأما الظفر : فعلله النبي صلى الله عليه وسلم بمدى الحبشة ، وظاهر التعليل مشكل إن قلنا : أن الحكم عام بعموم علته ؛ لأنه يقتضي منع الذكاة بما يختص به الحبشة من المدى ولو كان حديدا أو خشبا أو نحوهما مما تجوز الذكاة به .
والأقرب عندي : أن الأصل في ذلك أن الحبشة كانوا يذبحون بأظافرهم ، فنهى الشارع عن ذلك ؛ لأنه يقتضي مخالفة الفطرة من وجهين :
أحدهما : أنه يستلزم توفير الأظافر ليذبح بها ، وهذا مخالف للفطرة التي هي تقليم الأظافر .
الثاني : أن في القتل بالظفر مشابهة لسباع البهائم والطيور التي فضلنا عليها ونهينا عن التشبه به ، ولذلك تجد الإنسان لا يشبه البهائم إلا في مقام الذم .
الشرط الثامن : إنهار الدم ، أي إجراؤه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ))(103)وله حالان :
الحال الأولى : أن يكون المذكي غير مقدور عليه ، مثل أن يهرب أو يسقط في بئر أو في مكان سحيق لا يمكن الوصول إليه ، أو يدخل مقدمه في غار بحيث لا يمكن الوصول إلى رقبته أو نحو ذلك فيكفي في هذه الحال إنهار الدم في أي موضع كان من بدنه حتى يموت ، والأولى أن يتحرى أسرع شيء في موته ، وفي ((الصحيحين )) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فأصابوا إبلاً وغنماً فند منها بعير فرماه رجل فحبسه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن لهذه الإبل أوابد الوحش ، فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا ))(104) . وفي لفظ لمسلم : فند علينا بعير منها فرميناه بالنبل حتى وهصناه . وهصناه(105) : رميناه رميا شديدا حتى سقط على الأرض ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما أعجزك من البهائم مما في يديك فهو كالصيد ، وفي بعير تردى في بئر من حيث قدرت عليه فذكه . رواه البخاري تعليقا . قال : ورأى ذلك علي وابن عمر وعائشة (106).
الحال الثانية : أن يكون مقدوراً عليه بحيث يكون حاضرا أو يمكن إحضاره بين يدي المذكي ، فيشترط أن يكون الإنهار في موضع معين وهو الرقبة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : الذكاة في الحلق واللبة . وقال عطاء : لا ذبح ولا نحر إلا في المذبح والمنحر ، ذكره البخاري عنهما تعليقا .
وتمام ذلك بقطع أربعة أشياء وهي :
1ـ الحلقوم ، وهو مجرى النفس ، وفي قطعه حبس النفس الذي لا بقاء للحيوان مع انحباسه .
2ـ المريء ، وهو مجرى الطعام والشراب ، وفي قطعه منع وصول الغذاء إلى الحيوان من طريقه المعتاد .
3، 4 ـ الودجان ، وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء ، وفي قطعهما تفريغ الدم الذي به بقاء الحيوان حيا وتنقية الحيوان من انحباس الدم الضار فيه بعد الموت .
فمتى قطعت هذه الأشياء الأربعة ؛ حلت المذكاة بإجماع أهل العلم ، ثم اختلفوا :
فقال بعضهم : لابد من قطع الأربعة كلها ، ونقله النووي عن الليث وداود وقال : اختاره ابن المنذر . قلت : هو رواية عن أحمد نقلها في (( المغني )) و(( الإنصاف )) وقال : اختاره أبو بكر وابن البناء ، وجزم به في الروضة ، واختاره أبو محمد الجوزي ، قال في (( الكافي )) : الأولى قطع الجميع .
القول الثاني : لابد من قطع ثلاثة معينة وهي إما ( الحلقوم والودجان ) كما هو مذهب مالك ، ونقله في الإنصاف عن الإيضاح .
وإما ( المريء والودجان ) نقله في ( الإنصاف ) عن كتاب الإشارة .
القول الثالث : لابد من قطع ثلاثة : اثنان منهما على التعيين وواحد غير معين ، وهي الحلقوم والمريء وأحد الودجين وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد ، وأحد القولين في مذهب أبي حنيفة .
القول الرابع : لابد من قطع ثلاثة بدون تعيين وهي : إما ( الحلقوم والودجان ) ، وإما ( المريء والودجان ) ، وإما ( الحلقوم والمريء وأحد الودجين ) وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة ، وأحد الوجهين في مذهب أحمد ، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال : إن قطع الودجين أبلغ من قطع الحلقوم وأبلغ في إنهار الدم .
القول الخامس : لابد من قطع اثنين على التعيين وهما : إما ( الحلقوم والمريء ) وهو المشهور من مذهب أحمد والشافعي ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وعلى هذا فقطع أحد الودجين والحلقوم أولى بالإباحة من قطع الحلقوم والمريء . وإما ( الودجان ) فقط وهو إحدى الروايات عن أحمد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية ، ونقل عن مالك ، والمشهور عنه ما سبق ، وذكره في ((الإنصاف )) عن ((الرعاية )) و(( الكافي )) . قلت : عبارة (( الكافي )) : وإن قطع الأوداج وحدها فينبغي أن تحل استدلالا بالحديث والمعنى . اهـ .ويعني بالحديث ما رواه أبو داود في النهي عن شريطة الشيطان ، وسنذكره إن شاء الله ، ويعني بالمعنى ما قطع في الأوداج من إنهار الدم المنصوص على اعتباره .
فهذه أراء العلماء فيما يشترط قطعه في محل الذكاة ، ثم اختلفوا أيضا فيما يشترط قطعه من ذلك ، هل يشترط فيه تمام القطع بحيث ينفصل المقطوع بعضه عن بعض أولا يشترط ؟ على قولين :
أحدهما : لا يشترط ، فلو قطع بعض ما يجب قطعه ؛ حلت الذبيحة وإن لم ينفصل بعض المقطوع عن بعض ، وهو المشهور من مذهب أحمد ، وظاهر مذهب أبي حنيفة ، وهو الصواب إذا حصل إنهار الدم بذلك لحصول المقصود .
الثاني : يشترط ، فيجب أن تستوعب القطع ما يجب قطعه بحيث ينفصل بعض المقطوع عن بعض ، وهو قول مالك والشافعي وبعض أصحاب أحمد .
واختلفوا أيضا هل يشترط أن يكون القطع من ناحية الحلق أو لا يشترط ؟ على قولين:
أحدهما : لا يشترط ، فلو ذكاها من قفا الرقبة حلت إن وصل إلى محل الذكاة قبل أن تموت ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، وهو الصواب لحصول الذكاة بذلك .
الثاني : يشترط فلو ذبحها من قفا الرقبة لم تحل ، وهو مذهب مالك .
وسبب اختلاف العلماء فيما يشترط قطعه في الذكاة وفي كيفيته أنه ليس في النصوص الواردة ذكر ما يقطع ، وإنما فيها اعتبار إنهار الدم ، وفيها أيضا تعيين الأوداج بالقطع فيما رواه أبو داود عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شريطة الشيطان ، وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج ، ثم تترك حتى تموت(107) ، وفيما رواه ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الذبح بالليطة(108) فقال : (( كل ما أفرى الأوداج إلا سناً أو ظفراً ))(109) وفيما أخرجه الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( كل ما أفرى الأوداج ما لم يكن قرض سن أو حز ظفر )) (110)، وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة لا تقوم بها الحجة بمفردها إلا أنها تعضد بمعنى ما ثبت في الصحيحين من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفر )) ، فعلق الحكم على إنهار الدم ، ومن المعلوم أن أبلغ ما يكون به الإنهار قطع الودجين .
وعلى هذا فيشترط لحل الذبيحة بالزكاة قطع الودجين ، فلو ذبحها ولم يقطعهما لم تحل ، ولو قطعهما حلت وإن لم يقطع الحلقوم أو المريء .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كل ما أفرى الأوداج غير مترد ، ذكره عنه في (( المحلى )) قال : وعن النخعي والشعبي وجابر بن زيد ويحيى بن يعمر كذلك . وقال عطاء : الذبح قطع الأوداج (111)، وقال سفيان الثوري : إن قطع الودجين فقط ؛ حل أكله .
وليس في اشتراط قطع الحلقوم والمريء نص يجب المصير إليه ، قال ابن رشد في (( بداية المجتهد )) : وأما من اشترط قطع الحلقوم والمريء فليس له حجة من السماع ، وأكثر من ذلك من اشتراط المريء والحلقوم دون الودجين . اهـ .
والرقبة كلها محل للذكاة ، فلو ذكى من أعلى الرقبة أو أسفلها أو وسطها حلت الذبيحة ، لكن الأفضل نحر الإبل وذبح ما سواها .
والنحر : يكون في أسفل الرقبة مما يلى الصدر في الوهدة التي بين الصدر وأصل العنق .
والذبح : يكون فيما فوق ذلك إلى اللحيين ، فلو ذبحها من فوق الجوزة وهي العقدة الناتئة في أعلى الحلقوم ، وصارت العقدة تبع الرقبة ؛ حلت الذبيحة على القول الصحيح ؛ لأن ذلك من الرقبة وهي محل الذكاة .
وإن قطع الرأس مرة واحدة ؛ حلت لحصول الذكاة بذلك ، وقد روى ابن حزم من طريق ابن أبي شيبة عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن رجل ضرب عنق بعير بالسيف ، وذكر اسم الله فقطعه ، فقال علي رضي الله عنه : ذكاة وحية أي سريعة ، وقال ابن عمر وابن عباس وانس رضي الله عنهم : إذا قطع الرأس فلا بأس ، ذكره البخاري تعليقا .
وإن شرع يذبحها فرأى في السكين خللا فألقاها وأخذ غيرها ثم أتم الذكاة قبل موت الذبيحة حلت ، وكذلك لو رفع يده بعد أن شرع في ذبحها ليستمكن منها ثم أتم الذكاة قبل موتها حلت ؛ لحصول المقصود بذلك ، وليست بأقل حالا مما أكل السبع فأدركناه حيا وذكيناه فإنه حلال بنص القرآن .
وإذا حصلت الذكاة لما أصابها سبب الموت ؛ حلت إذا أدركها وفيها حياة ، لقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ)(المائدة: 3) فالمنخنقة المنحبس نفسها ، والموقوذة المضروبة بعصا ونحوها حتى تدهور حياتها ، والمتردية الهاوية من جبل أو في بئر ونحوه ، والنطيحة التي نطحتها أختها حتى أردتها ، وما أكل السبع ما أكلها ذئب ونحوه ، فكل هذه الخمس إذا ذكيت قبل أن تموت ؛ فهي حلال ، ويعرف عدم موتها بأحد أمرين :
الأول : الحركة ، فمتى تحركت بعد ذكاتها بحركة قليلة أو كثيرة بيد أو رجل أو عين أو أذن أو ذنب حلت . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى : (إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ) إن مصعت بذنبها أو ركضت برجلها أو طرفت بعينها فكل ، وقال نحوه غير واحد من السلف ، ولأن الحركة دليل بين علي بقاء الروح فيها إذ الميت لا يتحرك .
الأمر الثاني : جريان الدم بقوة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل )) . فمتى ذكيت فجرى منها الدم الأحمر الذي يخرج من المذكى المذبوح عادة حلت وإن لم تتحرك ، قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال : والناس يفرقون بين دم ما كان حياً ودم ما كان ميتاً ، فإن الميت يجمد دمه ويسود . قلت : ولذلك يكون باردا بطيئا .
وإذا شك في وجود ما يعرف به عدم الموت بأن شك في حركتها أو في حمرة الدم وجريانه كما يجري دم المذبوح عادة ـ لم تحل الذبيحة ؛ لقوله تعالى : (إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ) وما شككنا في بقاء حياته ـ لم تتحقق ذكاته .
فإن قيل : الأصل بقاء الحياة فلنحكم به فتحل الذبيحة إلا أن نتيقن الموت .
الجواب : الأصل بقاء الحياة لكن عارضه ظاهر أقوى منه وهو السبب المفضي إلى الموت ، فأنيط الحكم به ما لم نتحقق بقاء حياته .
( تنبيه ) المنفصل من أكيلة السبع ونحوها قبل ذكاتها ليس بحلال ؛ لأنه بائن من حي ، وما بان من حي فهو كميته ، فإن انفصل شيء من المذكاة قبل موتها فهو حلال ، لكن الواجب الانتظار في قطعه حتى تموت .
الشرط التاسع : أن يكون المذكي مأذونا في ذكاته شرعاً ، فإن كان غير مأذون فيها شرعاً ـ فهو على قسمين :
القسم الأول : أن يكون ممنوعاً منه لحق الله تعالى كالصيد في الحرم ، أو حال الإحرام بحج أو عمرة ، فمتى صاد صيدا فذبحه وهو محرم ، أو ذبح صيداً داخل حدود الحرم ؛ فهو حرام ؛ لقوله تعالى : ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )(المائدة: 1) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)(المائدة: 95)، وقوله سبحانه : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً )(المائدة: 96)، قال في المغني: ولا خلاف في تحريم الصيد على المحرم إذا صاده أو ذبحه . ثم قال بعد فصول : وإذا ذبحه صار ميتة يحرم أكله على جميع الناس ، وهذا قول الحسن ، والقاسم ، والشافعي ، وإسحاق ، والأوزاعي ، وأصحاب الرأي ، قال : كذلك الحكم في صيد الحرم إذا ذبحه الحلال . اهـ .
القسم الثاني : أن يكون ممنوعاً منه لحق الآدمي ، وهو ما ليس ملكا له ، ولا يملك ذبحه بوكالة أو نحوها ؛ كالمغصوب يذبحه الغاصب ، والمسروق يذبحه السارق ونحو ذلك ، ففي حله قولان لأهل العلم :
أحدهما : لا يحل ، وهو قول إسحاق ، وأهل الظاهر ، وإحدى الروايتين عن أحمد ، اختارها أبو بكر من أصحابنا ، وإليه ميل البخاري، قال في (( صحيحه )) : باب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنما أو إبلا بغير أمر أصحابها لم تؤكل ؛ لحديث رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر حديث رافع بسنده وفيه : وتقدم سرعان الناس فأصابوا من الغنائم والنبي صلى الله عليه وسلم في آخر الناس فنصبوا قدورا ، فأمر بها فأكفئت فقسم بينهم وعدل بعيراً بعشرة شياه (112).
وروى أبو داود من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس حاجة شديد وجهد ، فأصابوا غنما فانتهبوها ، فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه ، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال : (( إن النهبة ليست بأحل من الميتة ، أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة ))(113). قال أبو داود : الشك من هناد ـ يعني أحد رواته .
القول الثاني : أنه يحل ، وهو المشهور من مذهب أحمد وقول جمهور العلماء لما روى أحمد وأبو داود من حديث جابر رضي الله عنه قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فلما رجع استقبله داعي امرأة ـ وفي لفظ لأحمد داعي امرأة من قريش ـ فقال يا رسول الله ، إن فلانة تدعوك ومن معك إلى طعام فانصرف ، فانصرفنا معه فجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم أيديهم ، فنظر آباؤنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال : (( أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها )) فأرسلت المرأة ـ وفي رواية : قامت ـ فقالت : يا رسول الله ، إني أرسلت إلى البقيع من يشتري لي شاة فلم أجد ، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها ، فلم أجد ، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أطعميه الأسارى ))(114) .
هذا ما استدل به الجمهور ، ووجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإطعامه الأسارى ، ولو كان حراما ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطعامهم إياه .
وأجابوا عن دليلي القائلين بعدم الحل بأن إكفاء القدور على سبيل التعزير والمبالغة في الزجر ، وهو جواب قوي لكن يعكر عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن النهبة ليست بأحل من الميتة )) إلا أن يقال : المراد بيان حكم أصل النهبة، وأن من انتهب شيئا بغير حق ـ كان حراما عليه كالميتة وإن لم يكن من شرطه الذكاة ، وأنه ليس المراد أن ذبح المنهوب لا يحله فيكون ميتة ، والله أعلم .
وأما حديث جابر الذي استدل به الجمهور على الحل ؛ فليس بظاهر الدلالة إذ ليس أخذ المرأة للشاة عدواناً محضاً ، فإنما أخذتها مضمونة بالثمن من امرأة المالك ، وقد جرت العادة بالسماح في مثل ذلك غالبا لاسيما وهي مقدمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فهو من المشتبه الذي ينبغي التنزه عنه عند عدم الحاجة إليه ولذا تنزه عنه النبي صلى الله عليه وسلم لعدم حاجته إليه، وأمر بإطعامه الأسارى لحاجتهم إليه غالبا .
وإذا تبين ألا دلالة للجمهور فيما استدلوا به ولا لمخالفيهم ؛ وجب الرجوع إلى القواعد الشرعية العامة .
فنقول : المغصوب ونحوه مما أخذ بغير رضا صاحبه حرام على الغاصب ونحوه ، وعلى كل من علم به ، سواء أكان مما يشترط بحله في الأصل الذكاة أم لا ، حتى لو غصب لحماً كان حراماً عليه وعلى من علم به وأما ذكاة الغاصب ونحوه ؛ فهي ذكاة من مسلم أهل ذكر اسم الله عليها بما ينهر الدم ، فكانت مبيحة للمذكى كغير الغاصب ، والله أعلم بالصواب.
فصل في خلاصة ما سبق من الشروط
لما كان الكلام في بعض شروط الذكاة مطولاً ؛ أحببنا أن نذكر في هذا الفصل خلاصة تلك الشروط ؛ ليكون أيسر في حصرها ، فنقول : خلاصة ما سبق من الشروط التسعة كما يلي:
الأول : أن يكون المذكي ممن يمكن منه قصد التذكية ، وهو المميز العاقل .
الثاني : أن يكون مسلما أو كتابيا .
الثالث : أن يقصد التذكية .
الرابع : أن لا يذبح لغير الله .
الخامس : أن لا يهل لغير الله به ، بأن يذكر عليه اسم غير الله .
السادس : أن يسمي الله عليها .
السابع : أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم غير سن وظفر .
الثامن : إنهار الدم في موضعه .
التاسع : أن يكون المذكى مأذوناً في ذكاته شرعا .
ولا تأثير للذكاة في محرم الأكل ؛ كالحمار والكلب والخنزير ، فهذه ونحوه من الحيوانات المحرمة لا تحل بالذكاة ، ولا تشترط الذكاة في حل حيوان البحر ، فجميع ما في البحر من حيوان فهو حلال حيا وميتا صغيرا أو كبيرا ؛ لقوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ )(المائدة: 96) قال ابن عباس رضي الله عنهما : صيد البحر ما أخذ حياً ، وطعامه ما لفظه ميتاً ، وروى ذلك عن غير واحد من الصحابة والتابعين . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء بماء البحر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هو الطهور ماؤه الحل ميتته )) قال في (( بلوغ المرام )) : أخرجه الأربعة وابن أبي شيبة واللفظ له ، وصححه ابن خزيمة والترمذي ، ورواه مالك والشافعي وأحمد(115) .
وفي (( الصحيحين )) من حديث جابر رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة نتلقى عيرا لقريش ، وزودنا جراباً من تمر لم يجد لنا غيره ، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة نمصها كما يمص الصبي ، ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا إلى الليل ، وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله ، وانطلقنا على ساحل البحر ، ، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم ، فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر ، فقال أبو عبيدة : ميتة ثم قال : لا ، نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا ، قال : فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا ، ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ، ونقتطع منه الفدر كقدر الثور ، وأخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينه ، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها ، ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها ، وتزودنا من لحمه وشائق حتى قدمنا المدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( هو رزق أخرجه الله لكم ، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا )) فأرسلنا إليه منه فأكله(116) .
ولا تشترط الذكاة في حل الجراد ونحوه مما لا دم له ، لحديث ابن عمر : (( أحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان : فالجراد والحوت ، وأما الدمان : فالكبد والطحال )) أخرجه أحمد وابن ماجه (117).
ولأن الغرض من الذكاة إنهار الدم ، فما لا دم له لا يحتاج لذكاة .
------------------
(87) رواه البخاري، كتاب الوكالة، باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت…، رقم (2304).
(88) الأقلف:هو الذي لم يختن سمي بذلك لأن قلفته لم تقطع.
(89) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، رقم (2617)، ومسلم كتاب الطب، باب السم، رقم (2190)
(90) رواه أحمد (3/210)
(91) رواه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب، رقم (3153)، ومسلم ، كتاب الجهاد والسير باب أخذ الطعام من أرض العدو، رقم (1772)
(92) رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف بدء الوحي إلى رسول الله…، رقم (1)ومسلم، كتاب الجهاد، باب قوله النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم : (( إنما الأعمال بالنية))رقم (1907).
(93) رواه النسائي، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة أكل العصافير، رقم (4349)
(94) رواه النسائي ، كتاب الضحايا، باب من قتل عصفوراً بغير حقها، رقم (4446)
(95) رواه مسلم، كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله، رقم (1978)
(96) رواه البخاري، كتاب الشركة، باب قسمة الغنم، رقم (2488) ، ومسلم ، كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن..، رقم 01968)، وأبو داود، كتاب الضحايا ، باب في الذبيحة بالمروة، رقم (2821 والترمذي، كتاب الصيد ، باب ما جاء في الذكاة بالقصب وغيره، رقم (1491)والنسائي، كتاب الضحايا ، باب ذكر المنفلتة التي لا يقدر على أخذها، رقم (4409، 4410)، وابن ماجه ، كتاب الذبائح، باب ما يذكي به، رقم (3178)
(97) سبق تخريجه
(98) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب ذبيحة الأعراب ونحوهم، رقم (5507)
(99) رواه أبو داود، كتاب اللباس، باب في أهب الميتة، رقم (4126)، والنسائي، كتاب الفرع والعتيرة، باب ما يدبغ به جلود الميتة، رقم (4248).
(100) رواه مسلم، كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، رقم (366)
(101) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب جلود الميتة، رقم (5531)
(102) سبق تخريجه
(103) سبق تخريجه
(104) سبق تخريجه
(105) رواه مسلم، كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا…رقم (1968)
(106) صحيح البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش.
(107) رواه أبو داود، كتاب الضحايا ، باب في المبالغة في الذبح، رقم (2826)
(108) قال في : (( النهاية)) الليط قشر القصب والقناة وكل شيء كانت له صلابة ومتانة، والقطعة منه: ليطة.
(109) رواه ابن شيبة (4/253، 255)
(110) رواه الطبراني في (( الكبير )) (8/211)
(111) ذكره عنه البخاري تعليقاً في كتاب الذبائح والصيد، باب النحر والذبح.
(112) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب إذا أصاب قوم غنيمة..، رقم (5543)
(113) رواه أبو داود ، كتاب الجهاد، باب في النهي عن النهي ..ن رقم (2705)
(114) رواه أحمد(5/294) وأبو داود، كتاب البيوع ، باب في اجتناب الشبهات، رقم (3332)
(115) رواه أبو داود، كتاب الطهارة ، باب الوضوء بماء البحر، رقم (83)، والترمذي ، كتاب الطهارة ، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور، رقم (69)، والنسائي ، كتاب الطهارةن باب ماء البحر، رقم (59)، وابن ماجه ، كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، رقم (386) وأحمد(2/361)
(116) رواه البخاري، كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام..، رقم (2483)، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة ميتة البحر، رقم (1935).
(117) رواه أحمد | |
|