موضوع: بيت المقدس فى القرآن الكريم الخميس 14 يونيو 2012, 17:33
بيت المقدس فى القرآن الكريم
وصف القرآن الكريم أرض بيت المقدس بصفات البركة والطهر والقدسية في آيات متعددة:
ـ {... يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدُّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} (المائدة: 21).
ـ {... وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها} (الأعراف: 137).
ـ {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع العليم} (الإسراء: 1).
ـ {ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} (لأنبياء:71).
ـ {فسخرنا له الريح تجري بأمره رضاءً حيث أصاب}(ص: 36).
ـ {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدّرنا فيها السَّير} (سبأ: 18)
ـ {... فلما أتاها نودي من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين} (القصص: 30).
ـ وجاءت الإشارة إلى قدسية هذه الأرض حين أقسم الله بها مع غيرها في سورة التين {والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين} (التين: 1ـ3).
ـ وفي قوله تعالى عن عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام: {وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين} (المؤمنون: 5).
وقال الإمام ابن تيمية: وقد دل الكتاب والسنة وما روي عن الأنبياء المتقدمين عليهم السلام مع ما علم بالحس والعقل وكشوفات العارفين، أن الخلق والأمر ابتدأ من مكة المكرمة، فهي أم الخلق، وفيها ابتدأت الرسالة المحمدية التي طبق نورها الأرض، وهي التي جعلها الله تعالى قياماً للناس، إليها يصلون ويحجون، ويقوم بها ما شاء الله من مصالح دينهم ودنياهم، فكان الإسلام في الزمان الأول ظهوره بالحجاز أعظم، ودلت الدلائل المذكورة على أن «مُلك النبوة» بالشام، والحشر إليها، فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأمر، وهناك يحشر الخلق، والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام، وكما أن مكة أفضل من بيت المقدس، فأول الأمر خير من آخرها، كما أنه في آخر الزمان يعود الأمر إلى الشام كما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى».
ـ وقال ابن كثير في تفسير آية الإسراء {... إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله...} هو بيت المقدس الذي بإيلياء، معدن الأنبياء من إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا أُجمعوا له هناك صلى الله عليه وسلّم كلهم فأمهم في محلتهم ودارهم فدل على أنه صلى الله عليه وسلّم هو الإمام المعظم والرئيس المقدم وكانت صلاته صلى الله عليه وسلّم بالأنبياء ليلة الإسراء إقراراً مبيناً بأن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى البشر، أخذت تمامها على يد محمد صلى الله عليه وسلّم بعد أن وطَّأ لها العباد الصالحون من رسل الله الأولين. وكان في الإسراء دلالة على أن آخر صبغة للمسجد الأقصى. وهو المعبد العريق في القدم. هي الصبغة الإسلامية، فاستقر نسب المسجد الأقصى إلى الالتصاق بالأمة التي أمَّ رسولها سائر الأنبياء.
ولقد سميت السورة التي ذكر فيها المسجد الأقصى سورة الإسراء وكذلك سورة بني إسرائيل. وجاء فيها قوله تعالى لبني إسرائيل: {... وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً} (الإسراء: 8). أي إن عدتم للإفساد عدنا عليكم بالعقاب. ففي حادثة الإسراء إلغاء أبدي لصفحة بني إسرائيل من سجل التفضيل والاصطفاء.
ولاشك في أن اقتران الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلّم إلى السماوات العلى بالمسجد الأقصى دليلاً باهراً على مدى ما لهذا البيت من مكانة وقدسية عند الله تعالى، ودليل كذلك على صحة القول بأن المسجد الأقصى فوق مركز الدنيا وأنه المصعد من الأرض إلى السماء.
إلى جانب الآيات آنفة الذكر وردت أحاديث نبوية شريفة تبين لنا مدى ما لبيت المقدس والمسجد الأقصى من منزلة وفضل في الإسلام نذكر منها:
1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلّم ومسجد الأقصى». (رواه البخاري).
2 ـ عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن أول مسجد وُضع في الأرض. قال: «المسجد الحرام» قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى». قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون عاماً، ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركتك الصلاة فصلّ». (رواه البخاري)
3 ـ عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم عُرج بي إلى السماء». (رواه مسلم).
4 ـ عن جنادة بن أبي أمية الأزدي قال: ذهبت أنا ورجل من الأنصار إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم فقلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلّم يذكر في الدجال، فذكر الحديث وفيه... «وعلامته يمكث في الأرض أربعين صباحاً يبلغ سلطانه كل منهل، لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة ومسجد الرسول والمسجد الأقصى والطور». (رواه أحمد في مسنده).
5 ـ عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: لما فرغ سليمان بن داوود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أُعطي الثالثة». (رواه أحمد في مسنده).
6 ـ عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلّم قالت: قلت يا رسول لله أفتنا في بيت المقدس قال: «أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلّوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره. قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: فتهدِي له زيتاً يُسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه» (رواه أحمد).
7 ـ عن ذي الأصابع رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: «إن ابتلينا بعدك بالبقاء أين تأمرنا؟ قال: «عليك ببيت المقدس فلعله ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون». (رواه أحمد في مسنده).
8 ـ عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال له: «يا أبا ذر: كيف تصنع إن أخرجت من المدينة؟ قال: قلت: أكون من حمام مكة. قال: كيف تصنع إن أخرجت من مكة؟ قال: قلت: إلى السعة والدعة، إلى الشام والأرض المقدسة. قال: وكيف تصنع إن أُخرجت من الشام والأرض المقدسة. قال: قلت: وكيف تصنع إن أخرجت من الشام. قال: قلت: إذن والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي...» (رواه أحمد في مسنده).
9 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة». (رواه أبو يعلى).
10 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ستخرج نار من حضرموت، أو من بحر حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس قال: فقلنا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالشام». (رواه أحمد في مسنده).
11 ـ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنها ستكون هجرة بعد الهجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، تحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف». (رواه أحمد في مسنده).
12 ـ عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «بينما أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعُمد به إلى الشام، ألا وأن الإيمان حيث تقع الفتن بالشام». (رواه أحمد في مسنده).
13 ـ عن ابن حوالة الأزدي رضي الله عنه قال: «وضع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يده على رأسي، أو على هامتي، ثم قال: يا ابن حوالة: إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك». (رواه أحمد في المسند).
14 ـ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه ثم قال: إن هذا لحق كما أنك هاهنا ـ أو كما أنك قاعد «يعني معاذاً». (رواه الحاكم في مستدركه).
15 ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلّم «يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، وبعدها هاجر إلى المدينة ستة عشر شهراً ثم صرف إلى الكعبة». (رواه البخاري).
16 ـ عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت: «قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها، فول وجهك شطر المسجد الحرام». فمرَّ رجل وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعةً فنادى: ألا إن القبلة قد حُولت إلى الكعبة، فمالوا كما هم نحو القبلة.
هذا... وقد قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : «ثبت للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنّة وآثار العلماء، وهي أحد ما اعتمدته في تحضيض المسلمين على غزو التتار، وأمري لهم بلزوم دمشق، ونهيي لهم عن الفرار إلى مصر، واستدعائي العسكر المصري إلى الشام، وتثبيت الشامي فيه، وهذه المناقب أمور أحدها:
ـ البركة: وتثبت بخمس آيات من كتاب الله العزيز حيث ذكر الله أرض الشام في هجرة إبراهيم إليها ومسرى الرسول الله صلى الله عليه وسلّم إليها. وانتقال بني إسرائيل إليها، ومملكة سليمان بها، وأيضاً ففيها الطور الذي كلم الله عليه موسى، والذي أقسم الله به في سورة الطور، وفي {التين والزيتون وطور سينين}، وفيها المسجد الأقصى، وفيها مبعث الأنبياء لبني إسرائيل. وإليها هجرة إبراهيم وإليها مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم، ومنها معراجه، وبها ملكه وعمود دينه وكتابه، وطائفة منصورة من أمته، وإليها المحشر والمعاد، كما أن مكة المبدأ، فمكة أم القرى من تحتها دحيت الأرض، والشام إليها يحشر الناس، كما في قوله تعالى: {لأول الحشر} حيث نبه إلى الحشر الثاني، فمكة مبدأ، وإيلياء معاد الخلق، وكذلك في الأمر فإنه أُسري بالرسول صلى الله عليه وسلّم من مكة إلى إيلياء، ومبعثه ومخرج دينه من مكة، وكمال دينه وظهوره وتمامه بالشام.
فمكة هي الأول، والشام هي الآخر في الخلق والأمر في الكلمات الكونية والدينية.
ومما هو جدير بالإشارة أن أرض المسجد الأقصى هي أرض مقدسة بغض النظر عن وجود بناء لمسجد فيها أو عدم وجوده فهي مقدسة قبل أن يبنى فيها المسجد، تماماً كما كانت الأرض التي بنيت عليها الكعبة مقدسة قبل أن يبني إبراهيم عليه السلام الكعبة عليها...
وقد مرَّ أن النبي صلى الله عليه وسلّم عندما أُسري به إلى المسجد الأقصى لم يكن هناك بناء إلا السور المحيط بأرض المسجد، ثم أضفى المسجد عليها قدسية أخرى.
ولم يبنِ أحد من الأنبياء عليهم السلام مسجداً ودعا الناس إلى السفر للعبادة فيه إلا هذه المساجد الثلاثة».